أشرقت طلعَتُها البهيّة حينَ أخبرها الطّبيب أنّها تحملُ روحاً في أحشائها…
أخذت تخطُّ مسيرها برفقَةِ هذهِ الرّوح …
راحت تكلّمها كأنها تمشي بجوارها لا تنبضُ داخلها
في هذه الحجرة اللّحمية الصّغيرة …
خُلق قلبكَ يا ولدي من صنعِ الرّب ..
لفظَ نبضتَهُ الأولى …
أبصرَ ظلاماً محيطاً بهِ ونوراً متأججاً في داخلهِ …
أحمَدُكَ وأشكُركَ يا رب عدَدَ قطراتِ دماءِ أمّي التي أمدتني بالحياةِ …
ولكن أخبريني يا أمّي….من أنا ؟
ولماذا أضيءُ وحدي في بقعةٍ دامسة ؟؟
أنتَ أعظمُ ما خَلقَ اللّه .. وأسمى ما صَنَع..
أنتَ مِداد الجسدِ … و دواء للغلّ والحقدِ والحسد …
أنتَ ملك هذهِ الدّنيا واللّهُ مالِكُها..
أنتَ السّائر فيها وهو مسيّرها …
و بيدهِ لا بيدِ غيرهِ أمرك وقدرك.
يالقدرَتِهِ المدهشة …. وأينَ أنا الآن ؟؟
أنتَ في حِفظِهِ و رعايتِهِ ما طلعتْ أنفاسك و ما زفرتْ ..
وما قلّت نَبَضاتِك ودفقاتِك و ما كثرتْ …
في أكثرِ أماكنِ العالمِ دفئاً وأشدُّها حناناً وأماناً وحباً
و لماذا أنا وحدي ؟؟
لستَ وحدَكَ …
أنتَ محاطٌ بهِ على الدّوام ..
كيفَ تُبصر الوحدَة وقد أمدّكَ بكمالِ العقلِ .. و أحاسيسِ الرّوح و ضياءَ النّظر !!
لستَ وحدَك … و غيثهُ سينقذكَ في كلّ لحظاتِ قحطكَ وجفافك …
كم هي واسعةٌ رحمتهُ … كيفَ لي أن أراه ؟؟
لديكَ البَصَر و البصيرة …والعقل و أساريره ..
وماذا بعدَ هذهِ الظّلمة ؟؟
هل ستطولُ الحالُ هكذا ؟؟
أنتَ شُعاع هذهِ الظّلمةِ الصّغرى …
و شمس الظّلمةِ الكُبرى …
ستنطلقُ في هذهِ الرّحلةِ الدنيوية …
ستتعثرُ وتجدهُ مُنقذكَ …
ستنهضُ وتَشعُر بهِ يأخذُ بيدك …
ستمرضُ وتلقاهُ طبيبكَ برحمتهِ …
و ستتألم وتأخذ دواءك من صفحاتِ كتابهِ أو في أروقةِ بيوتهِ المقدسة …
إلى ان يقضي أمراً كانَ مفعولا …
و يعود بكَ إلى حياةِ الخلودِ بقربهِ …
بعدَ فناءِ هذهِ الدّنيا الدنيّة ..
يالعظمَته يا أمي ….و هل طريقُ هذهِ الرّحلة وعرة ؟؟
أنتَ قائد السّفينةِ وربّانها يا بني …
دوّر شراعَكَ دائماً نحوهُ وستحوّل عثراتك طمأنينة …
إنتبه لرسائِلهِ وإشاراتهِ الخفيّة و كلّ الطرق ستقودك إلى الوجهةِ الصحيحةِ بإذنه .
وبعدَ تسعة أشهرٍ ونيّف …
إنطلقت السّفينةُ في بحرِ هذهِ الدّنيا …
تتقاذفها الأمواج …
و تعصفُ بها الرّيح …
و تتكالب عليها براثن الشّر من كلّ حدبٍ و صوب …
لكنّ قلبَ ربّانها كانَ كما خُلقَ في تلكَ الحجرةِ اللحميةِ المظلمة …
أبيضاً نقياً دائمَ الإتصالِ بمن خلقَه ….
معيةُ الخالق وحفظهِ لهذهِ الدّقاتِ منذُ لحظةِ إطلاقها …
كفيلةٌ بأن تحلّقَ بالقلبِ من جديدٍ نحوَ سماءِ الكمال …
و تطير بهِ إلى الملاذِ الأعلى …
“إلهي هَب لي كمالَ الإنقطاعِ إليك وأنر أبصارَ قلوبنا بضياء نظرها اليك … حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور … فتصل إلى معدن العظمةِ وتصيرَ أرواحنا معلّقة بعز قدسك”
بقلم : إيلاف علي حلاق
طالبة في كلية الطب البشري
السنة الرابعة
جامعة تشرين